کد مطلب:239494 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:128

خطة المأمون
و كان أن اتبع المأمون من أجل انقاذ موقفه، الذی عرفت أنه یتوقف علی نقاط ثمانیة .. و من أجل الاحتفاظ بالخلافة لنفسه، و أن تبقی فی بنی أبیه - كان أن اتبع - أسلوبا جدیدا، و غریبا، لم یكن مألوفا، و لا معروفا من قبل .. و أحسب أنه لم یتوصل الیه الا بعد تفكیر طویل، و تقییم عام و شامل للوضع الذی كان یعیشه، و المشاكل التی كان یواجهها ..

لقد كانت خطته غریبة و فریدة من نوعها، و كانت فی غایة الاتقان، و الاحكام فی نظره ..



[ صفحه 197]



فبینما نراه من جهة :

لا یذكر أحدا من الخلفاء، و لا غیرهم من الصحابة بسوء، بل هو یتخرج حتی من المساس بغیر الصحابة، و حتی بأولئك الذین كان حالهم فی الخروج علی الدین، و تعالیم الشریعة، معروفا و مشهورا « كالحجاج ابن یوسف » ! و ذلك من أجل أن لا یثیر عواطف أولئك الذین یلتقی معهم فكریا و سیاسیا، و مصلحیا . و الذین سوف یكونون له فی المستقبل الدرع الواقی، و الحصن الحصین ..

فاستمع الیه یقول - كما یروی لنا التغلبی المعاصر له : « .. و ظنوا أنه لا یجوز تفضیل علی الا بانتقاص غیره من السلف ! و الله، ما أستجیز أن أنتقص الحجاج بن یوسف، فكیف بالسلف الطیب ؟! » [1] .

و كذلك نراه یركن الی رأی یحیی بن أكثم، الذی قال له - عندما أراد الاعلان بسب معاویة علی المنابر - : « و الرأی أن تدع الناس كلهم علی ما هم علیه، و لا تظهر أنك تمیل الی فرقة من الفرق، فان ذلك أصلح فی السیاسة، و أحری فی التدبیر .. »، ثم یدخل علیه ثمامة ؛ فیقول له المأمون : « یا ثمامة، قد علمت ما كنا دبرناه فی معاویة . و قد عارضنا رأی هو أصلح فی تدبیر المملكة، و أبقی ذكرا فی العامة الخ .. » [2] .

و أیضا .. نری شعره الذی یرویه لنا غیر واحد :



أصبح دینی الذی أدین به

و لست منه الغداة معتذرا



حب علی بعد النبی و لا

أشتم صدیقا و لا عمرا







[ صفحه 198]



ثم ابن عفان فی الجنان مع

الابرار ذاك القتیل مصطبرا



ألا و لا أشتم الزبیر و لا

طلحة ان قال قائل غدرا



و عائش الام لست أشتمها

من یفتریها فنحن منه برا [3] .



و نراه أیضا یتجسس علی عبدالله بن طاهر ؛ لیعلم : هل له میل الی آل أبی طالب أولا [4] .

و نراه یقدم علی قتل الرضا (ع)، و اخوته، و آلاف من العلویین غیرهم، و یصدر أمرا لامرائه، و قواده بالقضاء علیهم، و فض جمعهم، بعد أن منعهم من ملاقاته، و من الدخول علیه كما سیأتی .

و نراه كذلك .. یرسل الی عامله علی مصر، یأمره بغسل المنابر، التی دعی علیها لعلوی ( هو الامام الرضا (ع) ) .. الی غیر ذلك مما لا مجال لنا هنا لاستقصائه ..

بینما نراه كذلك ...

نراه من جهة ثانیة

یقدم علی الاعلان ببراءة الذمة ممن یذكر معاویة بن أبی سفیان بخیر أی أنه أراد أن یجعل تفضیل علی (ع)، و البراءة من معاویة دینا رسمیا، یحمل الناس كلهم علیه، كما كان الحال بالنسبة لقضیة خلق القرآن ..

و الاعلان بسب معاویة، و ان كان الاقدام علیه فی سنة 212 ه. لكن تفضیله علیا ، علی جمیع الخلق، و تقربه لولده، و اظهاره التشیع



[ صفحه 199]



و الحب لهم [5] انما كان من أول أیامه .. یدلنا علی ذلك أمور كثیرة، و یكفی هجاء ابن شكلة له، و هجاؤه لابن شكلة شاهدا علی ذلك .. فضلا عن الكثیر من الامور الاخری غیره .

ثم نراه بعد ذلك یبیح المتعة، و یصف الخلیفة الثانی، عمر بن



[ صفحه 200]



الخطاب ب « جعل » [6] ، أو نحو ذلك ..

و نراه أیضا أنه عندما سأل أصحابه عن : أنبل من یعلمون نبلا، و أعفهم عفة، فقال له علی بن صالح : « أعرف القصة فی عمر بن الخطاب، فأشاح بوجهه، و أعرض، و ذكر كلاما لیس من جنس هذا الكتاب، فنذكره، الخ .. » [7] علی حد تعبیر البیهقی .. و ذكر طیفور : أن أباعمر الخطابی دخل علی المأمون ؛ فتذاكروا عمر بن الخطاب فقال المأمون : الا أنه غصبنا، فقال له أبوعمر یا أمیرالمؤمنین، یكون الغصب الا بحق ید فهل كانت لكم ید، قال فسكت المأمون عنه، و احتملها له [8] .

و لكن اعتراض الخطابی اعتراض بارد و توجیه فاسد فهل الخلافة من الأموال ؟ أم هی حق جعله الله لهم ؟ و لا ندری سر سكون المأمون عنه، و احتماله منه، الا ما قدمناه ..

بل ان الأهم من ذلك كله.. أننا نراه یصف الخلفاء الثلاثة، و غیرهم من الصحابة بأنهم : « ملحدین »، ناسیا، أو متناسیا كل أقواله السابقة، و خصوصا شعره، و قوله : انه یتحرج حتی من تنقص



[ صفحه 201]



الحجاج، فكیف بالسلف الطیب، فاستمع الیه یقول، علی ما یرویه لنا البیهقی. و الظاهر انها جواب علی ابیات ابن شكلة لانها علی نفس الروی، و الوزن، و الموضوع - یقول المأمون :



و من غاو یغص علی غیظا

اذا أدنیت أولاد الوصی



یحاول أن نور الله یطفی

و نور الله فی حصن أبی



فقلت : ألیس قد أوتیت علما

و بان لك الرشید من الغوی



و عرفت احتجاجی بالمثانی

و بالمعقول و الأثر الجلی [9] .



بأیة خلة، و بأی معنی

تفضل «ملحدین» علی «علی»



علی أعظم الثقلین حقا

و أفضلهم سوی حق النبی [10] .



بل و زاد علی ذلك و ضرب العقیدة التی تقدم أن العباسیین قد اتوا بها لمقابلة العلویین و روجوا لها من أن الحق كان للعباس، و انه أجاز علیا، فصحت خلافته و ذلك بأن اظهر تقدیم علی علی العباس فقد قال السندی بن شاهك للفضل بن الربیع یوما عن المأمون :

« سمعته الیوم قدم علی بن أبی طالب علی العباس بن عبدالمطلب، و ما ظننت أنی أعیش حتی اسمع عباسیا یقول هذا، فقال الفضل له : تعجب من هذا ؟ هذا والله كان قول أبیه قبله » [11] و لكن الظاهر : أن أباه كان یكتم ذلك حتی خفی علی مثل السندی المقرب، لكن الآن قد اضطرت السیاسة المأمون الی الجهر بذلك، و اظهاره .

و هكذا .. فان المأمون لم یكن یری أن بین كل تصرفاته المتقدمة أی تناقض، أو منافاة، بل كانت كلها فی نظره صحیحة، و منطقیة ؛ لأنها كانت فی ظروف مختلفة، و كان لابد له من مسایرة تلك



[ صفحه 202]



الظروف، و الانسجام معها، فلا مانع عنده، من أن یقرب العلویین الیه، و یتظاهر باكرامهم، و تقدیرهم .. فی یوم .. ثم منعهم من الدخول علیه، و اضطهادهم، و قتلهم بالسم تارة، و بالسیف أخری فی یوم آخر .. و هكذا ..


[1] عصر المأمون ج 1 ص 369 ، نقلا عن : تاريخ بغداد، لابن طيفور ج 6 ص 75.

[2] المحاسن و المساوي ص 141، و ضحي الاسلام ج 2 ص 58، و ج 3 ص 156 ،152، و عصر المأمون ج 1 ص 371، و الموفقيات ص 41، و كتاب بغداد ص 54.

[3] البداية و النهاية ج 10 ص 277، و فوات الوفيات ج 1 ص 241، ما عدا البيت الرابع.

[4] الطبري ج 11 ص 1094، طبع ليدن، و العقد الفريد للملك السعيد ص 85 ،84 . و تجارب الامم ج 6 المطبوع مع العيون و الحدائق ص 461.

[5] قال في النجوم الزاهرة ج 2 ص 202 ،201، و مثله في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 308، و غيرهما : « أن المأمون كان يبالغ في التشيع، و يقول: ان أفضل الخلق بعد النبي علي بن أبي طالب. و أمر أن ينادي ببراءة الذمة ممن يذكر معاوية بخير، لكنه لم يتكلم في الشيخين بسوء بل كان يترضي عنهما، و يعتقد امامتهما .. » . و هذا بعينه هو مذهب معتزلة بغداد ابتداء من بشر بن المعتمر، و بشر بن غياث المريسي و غيرهما من معتزلة بغداد، حتي لقد قال بشر المريسي المعتزلي المعروف علي ما في البداية و النهاية ج 10 ص 289 :



قد قال مأموننا و سيدنا

قولا له في الكتب تصديق



ان عليا أعني أباحسن

خير من قد أقلت النوق



بعد نبي الهدي، و ان لنا

أعمالنا و القرآن مخلوق



و صرح بأنه يذهب مذهب المعتزلة كثيرون، فليراجع : البداية و النهاية ج 10 ص 275، و ضحي الاسلام ج 3 ص 295، و امبراطورية العرب ص 600، و غيرهم، بل لقد قال خيري حصاد، في تعليقته علي ص 601 من امبراطورية العرب : « أجمعت كتب التاريخ العربي علي أن المأمون مال الي الأخذ بمذهب المعتزلة، فقرب أتباع هذا المذهب اليه الخ .. » . و يدل علي ذلك أيضا أقوال . و أشعار المأمون المتقدمة .. و لعل وصف بعض المؤرخين له بالتشيع هو الذي أوهم البعض بأن المأمون كان يتشيع بالمعني المعروف للتشيع، فجزم بذلك، و بدأ يحشد الدلائل، و الشواهد، التي لا تسمن، و لا تغني من جوع، و قد غفل عن أنهم يقصدون بكلمة « التشيع » المعني اللغوي، لا المعني الخاص المعروف الآن ..

و بعد .. فان من الواضح : أن عقيدة المأمون تلك، لم تكن تثمر علي الصعيد العملي العام ؛ فانه كان من السياسيين، الذين لا ينطلقون في سلوكهم، و مواقفهم الخارجية من منطلقات عقائدية، و مفاهيم انسانية .. و انما يكون المنطلق لهم في مواقفهم، و تصرفاتهم، هو - فقط - مصالحهم الشخصية، و ما له مساس في استمرار فرض سلطتهم، و تأكيد سيطرتهم.

[6] وفيات الأعيان ترجمة يحيي بن أكثم ج 218 / 2 ط سنة 1310 ه و السرية الحلبية ج 46 / 3 و النص و الاجتهاد ص 193، و في قاموس الرجال ج 397 / 9 نقلا عن الخطيب في تاريخ بغداد : أنه كان يقول : « و من أنت يا أحول الخ .. »، و لا يخفي أنهم أرادوا تلطيف العبارة بقدر المستطاع ؛ فحرفوها الي ما تري ..

هذا .. و قد يري البعض : أن تفضيله عليا، و اعلانه بسب معاوية، و اباحته المتعة، و قوله بخلق القرآن، ليس الا لاشغال الناس بعضهم ببعض، و صرف الناس عن التفكير بالخلافة، التي هي أعز ما في الوجود عليه، و التي ضحي من أجلها بأخيه، و أشياعه، و وزرائه، و قواده .. و كذلك من أجل صرف الناس عن أهل البيت عليهم السلام، و ابعادهم عنهم .. و لعل هذا الرأي لا يعدم بعض الشواهد التاريخية، التي تؤيده، و تدعمه.

[7] المحاسن و المساوي ص 150.

[8] كتاب بغداد ص 51.

[9] القوي خ ل.

[10] المحاسن و المساوي، طبع دار صادر ص 68 . و طبع مصر 105 / 1.

[11] كتاب بغداد ص 7.